لكل شيء في الوجود إعراب-- أي سبب و تفسير، كما أن لكل سبب أو تفسير محل-- أي غاية و مرمى. هذه الأسباب و التفسيرات و الغايات و المرامي لاتتجلى إلا لأصحاب الباعات من العلماء ممن يطلق عليهم مصطلح "الفقهاء". فمثلا، العالم المتضلع و المتمرس و المتمكن من البيولوجيا وجب نعته ب "فقيه البيولوجيا"، كما يجب نعت عالم السانيات ب "فقيه اللغة" وهكذا ذواليك بالنسبة لشتى أنواع العلوم. فاللساني الحق ممن يفقه خبايا اللغة و فتاتاتها لما تلتقط أذناه في المؤتمرات و الندوات أو تلحظ عيناه في الكتب و المجلات شيئا مما يحسب على اللغة تثور ثائرته العلمية خصوصا اللسانية منها. فكأني به يقول : "قل صوابا أو صه" أو ربما تجده يتحسر و لسان حاله يردد : "ما بال أناس أصبح الخطأ لديهم مألوفا حتى ظنه عموم الناس صوابا؟".
لكن هذا اللساني الفقيه الملم المحقق، ولكثرة الأخطاء المرتكَبة و استفحالها، يقف عند ذلك الحد مقنعا لسانه بأن يتوقف عن التعليق و عيناه عن الملاحظة و التدقيق. فنحن في عصر غاب فيه التدقيق و حل محله " التغليق" ( التغليق مصطلح دارج في اللغة المغربية الدارجة، مِنْ "غلَّق، يُغلّق، تغليقا"؛ و التغليق في اللغة العربية الفصحى صفة مبالغة لكلمة "الإغلاق" بمعنى الإغلاق الشديد و المحكم؛ وَرَدَ فعل "غَلَّقَ" في القرآن في سورة يوسف لما غلَّقتْ امرأة العزيز الأبواب على النبي يوسف عليه السلام مغرية إياه).

