Monday, December 6, 2010

الأربعينية

مرت السنون و مازادتني إلا  الحزن و الشجون بعد فراق الأب الحنون، فلازلت أذكر جيدا الكيفية التي تلقيت بها خبر وفاة والدي. ورغم أنني لم أستطع حضور لحظة وضع جثمان والدي في مثواه الأخير، إلا أنني أتذكر بقوة ما حدث بعد مرور تسع و تلاثين يوما. إنها الليلة رقم أربعين؛ ليلة مميزة ولافتة للانتباه. ففي تلك الليلة ، حيث توافد الأفواج من الناس من كل حدب و صوب، بغية تقديم التعازي مجددا، 
وافتراس ما لذ و طاب من الأطباق المسيلة للعاب و المجحظة للعيون. 
                                                                                                           
في حقيقة الأمر، ما يهمني ها هنا ليس تذكر اللحظة ذاتها، وإنما التوغل ولو سطحيا في دلالاتها، خصوصا إذا تعلق الأمر بالرقم المصادف لليلة العزاء الثانية. إنه الرقم 40.   رقم عجيب و غريب: عجابته و غرابته تتجليان في   كونه—أي الرقم 40—يتكرر في مواضع خاصة، غاصة بالغموض، لكن مثيرة للاهتمام.                                    
فما هي إذن دلالات هذا الرقم و متى يتحقق؟
                                                                                  

  أولا: إن الرقم 40 يرمز إلى الاكتمال و الشدة و البأس: لاحظ معي أيها القارئ أن قصة علي بابا لا تكتمل إلا بوجود  أربعين لصا. هذا الكم الهائل من اللصوص وحده الكفيل بتحقيق تلك الثروة و كنز القناطير المقنطرة من الذهب والفضة. اكتمالُ و شدة و بأسِ تلكم العصابة يتجلى في بلوغهم النصاب—أي العدد 40 .   

ثانيا: إن هذا الرقم يدل ايضا على اكتمال النضج الفكري و الجسدي على الأقل لدى الرجال. فبعد بلوغ سنته الأربعين ، نزل الوحي(القرآن الكريم) على الرسول الأمين؛ الشيء الذي دفع العلماء إلى استنباط حقيقة أن الرجل (الحديث هنا عن الرجل السوي  و السليم، فليس كل الرجال رجالا) في هذا السن يصبح قادرا على تحمل المشاق و الصعوبات كما يصبح عقله نيرا و عطاءه غزيرا.                                      
                           
   ثالتا:  إزالة الشك و بلوغ اليقين لا يتحققان إلا بعد مرور أربعين يوما. هب أنك طلقت زوجتك التي مباشرة بعد طلاقها تزوجت رجلا آخر؛ و بعد انقضاء، لنقل سبع و ثلاتين يوما، ثبت أنها حبلى؛ فإلى من ننسب هذا الجنين، أإلى البعل السابق أم اللاحق؟ هنا أكد علماء الأجنة أن الثبوت أو النفي رهين بالقبلية أو البعدية تباعا. بتعبير أخر، ثبوت الحمل يكون قبل الأربعين، و نفيه يتحقق بعد الأربعينية. و عليه، فإن الحالة المذكورة سالفا هي حالة ثبوت لاريب فيها؛ أي أن الجنين المتكون في أحشاء الزوجة المطلقة وَجَبَ أن يٌـنْسَبَ إلى البعل السابق لا اللاحق. 

رابعا: الرقم ذاته يدل على أقصى أجل محدد للعقاب. فكما هو معلوم لدى الجميع من نصارى و مسلمين و مسيحيين أن الإله قد حكم على إسرائيل بالتيه في الأرض أربعينسنة كعقاب لهم على نفاذ صبرهم و عصيانهم لأمره حيث لم يصبروا حتى يعود نبيهم فاتخذوا إلهً آخر جسدا له خوار (كما ورد في التعبير القرآني).

    خامسا:  بلوغ اليقين و المعرفة الحقة لا تدرك إلا بواسطة هدا الرقم.  فإدا أردت معرفة قوم فتأمن مكرهم، عليك إدن  بمعاشرتهم أربعين يوما بالتمام و الكمال  .

خلاصة القول إذن هي أن هذا الرقم عجيب و غريب؛ رقم يدعونا إلى التأمل و البحث في خبايا و خفايا  بعض الأسرار الرقمية التي طالما تمر أمامنا فمن يكثرت، تنتظر منا مساءلتها. فحري و حقيق على كل ذي نهى سليم أن يبحث (أو على الأقل أن يحاول أن يبحث) في مايدور حوله، لعله يستطيع تحقيق بعض ما وجد لأجله، ألا و هو التفكر و التدبر فالتفقه .

No comments:

Post a Comment